المستقبل الزراعي في مصر

تعد مصر أقدم دولة عرفها التاريخ للزراعة
، فمنذ فجر التاريخ عرف الإنسان المصري القديم قيمة الزراعة فأولاها أهمية كبيرة وظل يطور فيها ويروض ويطوع الظروف للنهوض بها وبالفعل دانت له الأرض فاخرجت ثمارها وبكورها فقامت حضارة عجب لها التاريخ فسطرها بأحرف من نور و زاد المصري القديم في جده وطلبه للنهوض بها فذهب محاولا ترويض نهر النيل للانتفاع بكامل قوته. ونال غرضه في سابقة لم يفطن  لها @ قبلهم انس ولا جن  ونال شرف السبق والنجاح وظلت مصر متربعة على قمة الحضارات في ذلك المجال إلى أن قامت نهضة مصر  الحديثة الشاملة على يد محمد علي ولم يختلف عاقل من قبل على ريادة مصر في مجال الزراعة حتى قيام ثورة يوليو
حدثت سقطة نتجرع مرارة مذاقها إلى الآن عندما  أراد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تحويل كامل ثقلله لجعل مصر بلدا صناعيا وليس زراعيا فاثر ذلك بالسلب على مجال الزراعة الموروث من القدماء المصريين والآن  نتمنى في هذا الزمن الذي تطورا حولنا كل شئ بشكل متسارع أن نعود للاهتمام بالزراعة


(1)‏
القضية تتلخص في تفتت ملكية الأراضي الزراعية‏.‏ فالغالبية العظمي من الحيازات أصبحت صغيرة لا تزيد علي‏10‏ أفدنة‏.‏ وتكاد لا تذكر تلك الحيازات التي تبلغ نحو‏50‏ فدانا أو مائة مثلا‏.‏ ولذلك فإن من يتولي أمر الزراعة حاليا هم المزارعون والفلاحون الضعاف ماليا‏,‏ والذين لا وزن لهم اقتصاديا أو سياسيا‏,‏ وللأسف الشديد فإن النمط الحالي لسياسة تسعير المحاصيل الزراعية وغيرها من المنتجات كاللحوم والدواجن يتحيز ضدهم‏.‏ فهو يميل إلي خفض أسعار القمح والأرز وقصب السكر والذرة مثلا‏,‏ حتي يرضي سكان المدن‏.‏
في حين أن هذا لا يعني إلا جعل الفلاحين يبيعون إنتاجهم بأقل من تكلفته الفعلية‏,‏ لذا صرنا نجد أن معظم المزارعين في حالة استدانة دائمة سواء لصالح بنك الائتمان الزراعي أو لصالح المرابين المحليين‏.‏
لكن لماذا هذا التحيز؟ القضية كلها هي في القدرة علي التأثير علي صناعة القرار‏,‏ فأهل المدن هم عادة عمال مصانع أو أبناء الطبقة المتوسطة وهؤلاء يجدون طريقهم بسهولة إلي الإذاعة والتليفزيون والصحف‏,‏ للتعبير عن شكاواهم من ارتفاع الأسعار وضيق الحال‏.‏ وهكذا يجدون من يستجيب لهم‏.‏ فإذا لم يجدوا استجابة لجأوا إلي نقاباتهم العمالية والمهنية‏,‏ ومختلف منظمات المجتمع المدني المنتشرة بكثرة في المدن لتنظيم مظاهرات واضرابات للتعبير عن شكاواهم‏.‏

(2)‏
لماذا يزرع الفلاحون الأرض؟ من أجل الحصول علي عائد يستطيعون عن طريقه الانفاق علي حياتهم‏.‏ وإذن هل يعقل أن يشتري الواحد منهم الفدان من الأرض السوداء في الوادي‏,‏ بربع مليون جنيه مثلا‏,‏ ثم يزرعه قمحا أو ذرة أو أرزا أو قطنا ليباع بأسعار لا تغطي تكلفة الإنتاج فضلا عن تحقيق نسبة تبرر استثمار‏250‏ ألف جنيه في شراء هذا الفدان؟ الواقع أن هذا المبلغ لو تم وضعه في البنك لحقق عائدا لا يقل عن‏8%‏ بدون أن يبذل صاحبه أي مجهود من زراعة وري ومقاومة آفات وحرث وتسميد‏..‏ الخ
فهل هناك فلاح في الدلتا أو في الصعيد يحقق له فدان الأرض‏20‏ ألف جنيه ربحا سنويا ليكافئ مجرد ايداع هذا المبلغ في البنك؟ قد تقول لي لكن قيمة النقود تتآكل بفعل التضخم في حين آن قيمةالأرض تتزايد ولسوف اقبل هذه الحجة‏,‏ ولذلك اقول مارأيك في أن يحقق‏4%‏ فقط؟ أي‏10‏ آلاف جنيه؟ هل تجد فلاحا يحقق مثل هذا العائد من الفدان من زراعة القطن والارز والقمح؟
هذا هو السبب في انصراف الناس عن الاستثمار في الزراعة‏..‏ فلو ان صاحب الربع مليون حنيه مثلا اشتري قطعة ارض مباني وتاجر فيها أواشتري شقة وباعها أو حتي مجرد إيصال لحجز شقة‏,‏ لحقق أرباحا لاتزيد فقط علي هذا الرقم المتواضع‏4%‏؟ بل ستزيد عن سعر فائدة البنك ولذلك يهجر الناس في مصر بشكل متزايد العمل في الزراعة فهي بدائية‏,‏ ومتخلفة وشاقة ولاتناسب من تلقي تعليما في المدرسة أو الجامعة‏,‏ ثم انها لاتحقق عائدا يبرر العناء والشقاء الذي يجده من يعمل بها‏.‏




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رثاء حياتي

دفائن مصر الأثرية النفيسة